نجية الوزاني شخصية متميزة
عدد الرسائل : 195 العمر : 50 تاريخ التسجيل : 25/03/2009
| موضوع: القصة جميلة ومؤثرة الإثنين 27 يوليو - 23:06 | |
| اقرأوها وتمعنوا فيها..أثابكم الله وقد ذكرها الشيخ خالد الراشد كثيرا..ويقال أنها قصته الشخصية:
لم أكن جاوزت الثلاثين حين أنجبت زوجتي أول أبنائي..مازلت أذكر تلك الليلة..بقيت الى آخر الليل مع الشلة في احدى الاستراحات..كانت سهرة مليئة بالكلام الفارغ..بل بالغيبة والتعليقات المحرمة..كنت أنا الذي أتولى في الغالب اضحاكهم..وغيبة الناس..وهم يضحكون.
أذكر ليلتها أني أضحكنهم كثيرا..كنت أمتلك موهبة عجيبة في التقليد..بامكاني تغيير نبرة صوتي حتى تصبح قريبة من الشخص الذي أسخر منه..أجل كنت أسخر من هذا وذاك..لم يسلم أحد مني حتى أصحابي..صار بعض الناس يتجنبني كي يسلم من لساني.
أذكر أني تلك الليلة سخرت من أعمى رأيته يتسول في السوق..والأدهى أني وضعت قدمي أمامه فتعثر وسقط يتلفت برأسه لايدري ما يقول..وانطلقت ضحكتي تدوي في السوق.. عدت الى بيتي متأخرا كالعادة..وجدت زوجتي في انتظاري..كانت في حالة يرثى لها..قالت بصوت متهدج:راشد..أين كنت؟
قلت ساخرا:في المريخ..عند أصحابي بالطبع..
كان الاعياء ظاهرا عليها..قالت والعبرة تختنقها:راشد أنا تعبة جدا..الظاهر أن موعد ولادتي صار وشيكا. سقطت دمعة صامتة على خدها..أحسست أني أهملت زوجتي..كان المفروض أن أهتم بها وأقلل من سهراتي..خاصة أنها في شهرها التاسع.
حملتها الى المستشفى بسرعة..دخلت غرفة الولادة..جعلت تقاسي الآلام ساعات طوال..كنت أنتظرولادتها بفارغ الصبر..تعسرت ولادتها. فانتظرت طويلا حتى تعبت..فذهبت الى البيت وتركت رقم هاتفي عندهم ليبشروني. بعد ساعة..اتصلو بي ليزفوا لي نبأ قدوم سالم ذهبت الى المستشفى فورا..أول ما رأوني أسأل عن غرفتها..طلبوا مني مراجعة الطبيبة التي أشرفت على ولادة زوجتي.
صرخت بهم:أي طبيبة؟المهم أن أرى ابني سالم.
قالوا :أولا راجع الطبيبة.
دخلت على الطبيبة ..كلمتني عن المصائب..والرضى بالأقدار.ثم قالت :ولدك به تشوه شديد في عينه ويبدو أنه فاقد البصر.
خفضت رأسي..وأنا أدافع عبرات..تذكرت ذاك المتسول الأعمى الذي دفعته في السوق وأضحكت عليه الناس. سبحان الله كما تدين تدان. بقيت واجما قليلا..لا ادري ماذاأقول..ثم تذكرت زوجتي وولدي.. فشكرت الطبيبة على لطفها ومضيت لأرى زوجتي.
لم تحزن زوجتي..كانت مؤمنة بقضاءالله..راضية.طالما نصحتني أن أكف عن الاستهزاء بالناس..كانت تردد دائما،لا تغتب الناس..
خرجنا من المستشفى،وخرج سالم معنا.في الحقيقة،لم أكن أهتم به كثيرا.اعتبرته غير موجود في المنزل.حين يشتد بكاؤه أهرب الى الصالة لأنام فيها .كانت زوجتي تهتم به كثيرا، وتحبه كثيرا.أما أنا فلم أكن أكرهه،لكني لم أستطع أن أحبه. كبر سالم ..بدأ يحبو.. كانت حبوته غريبة..قارب عمره السنة فبدأ يحاول المشي..فاكتشفنا أنه أعرج.أصبح ثقيلا على نفسي أكثر. أنجبت زوجتي بعده عمر وخالدا.
مرت السنوات وكبر سالم، وكبر أخواه.كنت لا أحب الجلوس في البيت.دائما مع أصحابي. في الحقيقة كنت كاللعبة في أيديهم..
لم تيأس زوجتي من اصلاحي.كانت تدعو لي دائما بالهداية.لم تغضب من تصرفاتي الطائشة، لكنها كانت تحزن كثيرا اذا رأت اهمالي لسالم واهتمامي بباقي اخوته.
كبر سالم وكبر معه همي.لم أمانع حين طلبت زوجتي تسجيله في احدى المدارس الخاصة بالمعاقين.لم أكن احس بمرور السنوات. أيامي سواء:عمل،نوم،طعام وسهر.
في يوم جمعة، استيقظت الساعة الحادية عشر ظهرا. مايزال الوقت مبكرا بالنسبة لي .كنت مدعوا الى وليمة. لبست وتعطرت وهممت بالخروج. مررت بصالة المنزل فاستوقفني منظر سالم.كان يبكي بحرقة.
انها المرة الأولى التي انتبه فيها الى سالم يبكي مذ كان طفلا.عشر سنوات مضت،لم التفت اليه. حاولت أن أتجاهله فلم أحتمل. كنت أسمع صوته ينادي أمه وأنافي الغرفة.التفت ..ثم اقتربت منه.قلت:سالم.لماذا تبكي؟
حين سمع صوتي توقف عن البكاء.فلما شعر بقربي،بدأ يتحسس ما حوله بيديه الصغيرتين. مابه ياترى؟اكتشفت أنه يحاول الابتعاد عني.وكأنه يقول:الآن أحسست بي.أين كنت منذ عشر سنوات؟تبعته..كان قد دخل غرفته.رفض أن يخبرني في البداية سبب بكائه، وأنا أستمع اليه وأنتفض.أتدري ما السبب؟تأخر عليه أخوه عمر،الذي اعتاد أن يوصله الى المسجد، ولأنها صلاة الجمعة ،خاف ألا يجد مكانا في الصف الأول .نادى عمر..ونادى والدته..ولكن لامجيب.فبكى.
أخذت أنظر الى الدموع تتسرب من عينيه المكفوفتين.لم أستطع أن أتحمل بقية كلامه،وضعت يدي على فمه وقلت: لذلك بكيت يا سالم.
قال : نعم..
نسيت أصحابي ، ونسيت الوليمة.وقلت:سالم لا تحزن.هل تعلم من سيذهب بك اليوم الى المسجد؟
قال : أكيد عمر..لكنه يتأخر دائما..
قلت: لا بل أنا سأذهب بك..
دهش سالم ..لم يصدق. ظن أني أسخر منه. استعبر ثم بكى. مسحت دموعه بيدي وأمسكت يده.أردت أن أوصله بالسيارة.رفض قائلا:المسجد قريب.. أريد أن أخطو الى المسجد.. اي والله قال ذلك.
لا اذكر متى كانت آخر مرة دخلت فيها المسجد،لكنها المرة الأولى التي أشعر فيها بالخوف والندم على ما فرطته طوال السنوات الماضية.كان المسجد مليئا بالمصلين،الا أني وجدت لسالم مكانا في الصف الأول .استمعنا لخطبة الجمعة معا وصلى بجانبي..بل في الحقيقة أنا صليت بجانبه..
بعد انتهاء الصلاة طلب مني سالم مصحفا.استغربت. كيف سيقرأ وهو أعمى؟
كدت أن أتجاهل طلبه، لكني جاملته خوفا من جرح مشاعره.ناولته المصحف..طلب مني أن أفتح المصحف على سورة الكهف.أخذت أقلب الصفحات تارة وأنظر في الفهرس تارة..حتى وجدتها.
أخذ مني المصحف ثم وضعه أمامه وبدأ في قراءة السورة..وعيناه مغمضتان..ياالله. انه يحفظ سورة الكهف كاملة. خجلت من نفسي. أمسكت مصحفا ..أحسست برعشة في أوصالي..قرأت وقرأت..دعوت الله أن يغفر لي ويهديني.لم أستطع الاحتمال..فبدأت أبكي كالأطفال.كان بعض الناس لايزال في المسجد يصلي السنة..خجلت منهم فحاولت أن أكتم بكائي.تحول البكاء الى نشيج وشهيق..
لم أشعر الا بيد صغيرة تتلمس وجهي ثم تمسح عني دموعي.انه سالم.ضممته الى صدري..نظرت اليه.قلت في نفسي..لست أنت الأعمى ،حين أنسقت وراء فساق يجرونني الى النار. عدنا الى المنزل.كانت زوجتي قلقة كثيرا على سالم،لكن قلقها تحول الى دموع حين علمت أني صليت الجمعة مع سالم.. من ذلك اليوم لم تفتني صلاة جماعة في المسجد.هجرت رفقاء السوء..وأصبحت لي رفقة خيرة عرفتها في المسجد.ذقت طعم الايمان معهم.عرفت منهم أشياء ألهتني عنها الدنيا.لم افوت حلقة ذكر أو صلاة الوتر.ختمت القرآن عدة مرات في شهر.رطبت لساني بالذكر لعلالله يغفر لي غيبتي وسخريتي من الناس. أحسست أنني أكثر قربا من أسرتي.اختفت نظرات الخوف والشفقة الني كانت تصل من عيون زوجتي .الابتسامة ما عادت تفارق وجه ابني سالم .من يراه يظنه ملك الدنيا و ما فيها حمدت الله كثيرا على نعمه . يتبع.. | |
|